قمة الرياض- رؤية عربية موحدة لمواجهة تحديات القضية الفلسطينية.

في بادرة تبعث الأمل، تستضيف المملكة العربية السعودية قمة هامة في الحادي والعشرين من هذا الشهر، وكأنها تستلهم رؤية عبدالرحمن الكواكبي الذي دعا في "أم القرى" إلى اجتماع شامل لإنهاء حالة الجمود وتوحيد الصف العربي.
تنعقد القمة المرتقبة في الرياض في 21 فبراير/ شباط الجاري، بمشاركة مصر والأردن وقطر والإمارات والسلطة الفلسطينية، إلى جانب المملكة العربية السعودية، وذلك في توقيت بالغ الأهمية لمواجهة خطة ترامب المريبة التي تستهدف تهجير الفلسطينيين من غزة وضم الضفة الغربية لإسرائيل، وهي خطوة وإن لم تُعلن صراحة، إلا أنها تلوح في الأفق.
يكمن الهدف الرئيسي في اتخاذ موقف قوي وموحد تجاه خطة التهجير القسري، وذلك من خلال القنوات الدبلوماسية، والتأكيد على القواعد الدولية التي تحظر مثل هذه الممارسات، والاستناد إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بشأن غزة والضفة الغربية، بدءًا من القرار 242، واتفاقية أوسلو القائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام، والمبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت في 2002، والتي تدعو إلى حل الدولتين، مع تذكير الولايات المتحدة بدورها كوسيط نزيه منذ مؤتمر مدريد عام 1991، للتوصل إلى حل عادل ودائم وشامل للنزاع العربي الإسرائيلي، وجوهرها القضية الفلسطينية.
ستشكل نتائج قمة الرياض أساسًا لقمة القاهرة المقبلة، ومن الضروري تشكيل لجنة من وزراء خارجية الدول المشاركة لعرض توصيات المؤتمر على الأمين العام للأمم المتحدة والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، مع إمكانية إضافة الهند والبرازيل، على غرار قمة فاس عام 1982، التي تبنت خطة الملك فهد وأسفرت عن لجنة سباعية وزارية قدمت المشروع للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
من الأهمية بمكان أن تدعم منظمة التعاون الإسلامي نتائج القمة الخماسية بموقف موحد على مستوى وزراء الخارجية في المرحلة الأولى، كما يجب أن تتضمن قمة الرياض القادمة خطة متكاملة لإعادة إعمار غزة، مع الدعوة إلى مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، يهدف إلى ربط الإعمار بإقرار حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
لا تزال هناك خيارات دبلوماسية أخرى متاحة في حال تجاهلت الولايات المتحدة المطالب العربية واستمرت في عنادها، بما في ذلك التلويح بتجميد اتفاق كامب ديفيد ومعاهدة وادي عربة واتفاقيات أبراهام، ومع ذلك، يجب التركيز على الأدوات الدبلوماسية، وتجنب التصعيد غير المجدي، مثل حشد الجماهير أو المناورات العسكرية أو استخدام سلاح النفط أو المقاطعة.
لا يخفى على أحد أن سيناريو التهجير يمثل شرارة لبداية كارثة إقليمية وعالمية، وسيؤدي إلى إشعال فتيل صدام الحضارات وتفشي العنف والكراهية وانعدام الثقة.
الأمل معقود على أن يكون المؤتمر المزمع عقده في الرياض مدخلًا لإحياء نظام عربي جديد، بعد أن انتهى النظام القديم فعليًا منذ عام 1979. فالظروف مهيأة اليوم لإرساء نظام عربي جديد، يتحدث بصوت واحد في القضايا المصيرية، ويعيد الوحدة والتضامن، ويضع أسسًا لإدارة الخلافات، مع الابتعاد عن الشعارات الجوفاء والبيانات الرنانة، وتبني مقاربة واقعية تعتمد على الأدوات الدبلوماسية وتحافظ على قنوات الحوار مفتوحة.
إلا أن النظام العربي الجديد يتطلب أدوات جديدة ومبتكرة، فالأدوات القديمة التي عفا عليها الزمن وأصابها الوهن لن تكون قادرة على مواجهة التحديات الحالية، وبعبارة أكثر صراحة، ورغم ما قد يبدو في هذا الرأي من صراحة جارحة، لا أعتقد أن جامعة الدول العربية، التي تأسست في أعقاب الحرب العالمية الثانية، هي الإطار الأمثل لمواجهة التحديات الحالية أو بناء نظام عربي جديد.
لقد ظل العالم العربي ممزقًا بين القوى الإقليمية المتنافسة، مما أدى إلى تعميق الانقسامات وإضعاف الصف العربي. واليوم، الفرصة سانحة لوضع حد لهذه القوى الإقليمية وإرساء نظام عربي جديد أكثر تماسكًا.
لقد تراجع الدور الإيراني وفقد الكثير من جاذبيته، فيما كشفت إسرائيل عن نواياها الحقيقية التي لا تهدف إلى السلام، بل إلى إخضاع العالم العربي وفرض الاستسلام، وذلك من خلال تهميشه سياسيًا وثقافيًا، والقضاء على القضية الفلسطينية، ونقل مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني إلى دول الجوار والعالم العربي بأكمله.
في هذا السياق، يمكن للمملكة العربية السعودية أن تلعب دورًا رائدًا في رعاية نظام عربي جديد، مستفيدة من ثقلها العربي والإسلامي وخبرتها وعلاقاتها المتوازنة مع الصين وروسيا والهند والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى علاقاتها التاريخية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
